قصة كارل يونغ والتحليل النفسي وأصول مؤشر نوع مايرز بريجز في 4 نقاط

كارل يونغ والتحليل النفسي

قام العالِمُ الفذْ، كارل يونغ والتحليل النفسي الذي اشتغل به، أحد أبرز الشخصيات المؤثرة في رحابِ النفسِ وعلمها، بجهودٍ مميزةٍ في تطوير مدرسة التحليل النفسي ومؤشر نوع مايرز-بريجز (MBTI). هذا الاختبار الشخصي يتيح لنا رصدَ تفضيلاتنا النفسية، وكيف نلمسُ العالم ونُبَني قراراتِنا. لقد لعب يونغ نَقْبَ قويَ في تطوير مفهوم الشَّاكرا وفِلسُفة الشَّرِقِية الأخرى في عَلم النفس. وفي هذا المقال، سنستكشف بشيءٍ من الوقفةِ التاريخية الموجزة مسيرةَ كارل يونغ والتحليل النفسي وأصول مؤشّرِ نوع مايرز بريجز.

الحياة المبكرة والتعليم – كارل يونغ

الحياة المبكرة والتعليم - كارل يونغ
الحياة المبكرة والتعليم – كارل يونغ

ولدَ كارل يونج في أحضان عام 1875 وهي فترة قفز فيها التطور لكثير من العلوم وخاصة العلوم المتعلقة بالنفس وتحليل النفس، الطبيب النفسي والمحلل النفسي السويسري البارع، مؤسسَ مذهب علم النفس التحليلي، الكيان الشامخ الذي شُدت إليه أشواق إدراك النفس وتجلياتها. كان يونج نبعًا فطريًا للإبداع منذ زمن الطفولة، حيث انبثق ميله للفلسفة والأدب كشمعةٍ تُضيء له الدروب الوعرة، فقرأ كُتُبًا يونانية ولاتينية قديمة، وابتكرَ في صميم وجدانه مسرحيات ألهمت قلوب الناس وشعرًا رقيقًا يفتن الألباب. وعبرَ بوابة تعليم الطب في جامعة بازل، التحق يونج بمسيرةٍ مذهلة، لكن العطاء لم يكن يَرحل به بعد.

في ديار مستشفى بورغولزلي للأمراض العقلية، انفتحٌ يونج على السحر الخفيّ للحبس في غفلةٍ منا بجمالٍ يختبئ وراء قشرة الوجود، حيث كان يطلع على نظريات العملاق سيغموند فرويد، ويتعرّف على مفهوم اللاوعي الذي صار الأساس لبنيانه في تحليل النفس، لكنه أخذ يتعامل بأبعادٍ مختلفة وتصوّرٍ جديد. إذ اختلف يونج مع فرويد في بعض جوانب نظرية التحليل النفسي، اعتقادًا منه بأن اللاوعي الجماعي، المملوء بأشياءٍ رمزيةٍ من دياناتٍ وأساطيرٍ وثقافاتٍ، يظل أكثر أهميةً من تركيز فرويد على المفردة. فما اتسمت به فكرة اللاوعي الجماعي أصبحت القاعدة الأساسية في مجال علم النفس التحليلي، وطبعَها يونج في صقلٍ مستقبلي يختَصّ به “النماذج الأصلية”.

وترجّل يونج إلى أسوار زيورخ في عام 1909، حاملاً بين أيديه باقةً من الفكر النفسي، أسس بها النادي النفسي ونشرها في جوانب قلوب الأجيال القادمة. في عهد التكوين، شعا يونج برؤى متجذرة عن اللاوعي والنماذج الأصلية، وأنار دروب العلاج النفسي متقنًا، مُرَكِّزًا في داخل وجدانه أمورًا تَعدت حدود العالم المادي، ذلك أنه وضع الأسس حتى اليوم لمعترف به حوليًا مثل مؤشر نوع مايرز بريجز، القيَّم جداول المختلفات في شخصيات قيّمها الآن المستخدمون.

كارل يونغ والتحليل النفسي

كارل يونغ والتحليل النفسي
كارل يونغ والتحليل النفسي

توجد علاقة قوية بين كارل يونغ والتحليل النفسي، كان كارل يونغ هذا الطبيب النفسي الرائد، قد طوّر شكلا فريدًا من أشكال العلاج والفلسفة، في مجال علم النفس التحليلي، المشهور بحكمته وجماله. تمحور عمله حول فهم النفس البشرية واستكشاف إغواء العقل اللاواعي. تبنى فكره على اعتقاده بأن البشر يرتقون في رحلة عقلية، يستلهمونها من الجماعية، تحمل في ذاكرتها رموز وصور وأنماط بدائية، ومن جانب أخر، قدم يونغ اقتراحاً جريئاً ومدهش، حيث يمكن لأحلام وأوهام الشخص أن تؤثر على سلوكه وعواطفه. كان يُعتبر نبأً مثيراً للعقل والخيال، فقد تحفز هذه التصوّرات والتخيلات على تشكيل شخصيته وسماته المميزة، لتتوسع أفكاره في دوره الريادي.

أنشأ يونغ مدرسةً للتحليل النفسي، في زيورخ، في أوائل القرن العشرين، وتعمل هذه المدرسة بشكل متواصل ومستمر حتى يومنا هذا، تهدف إلى استكشاف أعماق النفس البشرية ومساعدة البشر على فهم أنفسهم بشكلٍ أكبر وأعمق، وبالإضافة إلى ذلك، أبدع يونغ العديد من الاختبارات النفسية المهمة، التي أثرت بشكلٍ كبير على مجال الطب النفسي، منها مؤشر نوع مايرز بريجز، الذي يُستخدم لتقييم سمات الشخصية الفردية، ويمثل لغةً رمزيةً تعبّر عن دوافع الشخص وميوله النفسية، باختصار، يونغ كان له الفضل الجلي في تطور فهمنا للنفس البشرية، فقد أثرى عالم النفس بأفكاره الفذة واحتواه الشامل، وفتح أبوابًا غير مسبوقة لاستكشاف العقل والجانب الغامض من البشرية، ولا زال تراثه يلهم الأجيال الحالية والقادمة.

امتد تأثير التحليل النفسي العميق الذي أنبثق من دواخل نظريات العبقريَين “جونغ” و “فرويد” بصورة مفعمة بالذكاء والجمال. فقد مارسا على النفس البشرية تأثيرات سُحْقَتْ واستقرت على أركان الوجدان. وعلماً بان اصواتهما المهيمنة اهتزت في ساحة البحث العلمي واكتسبت إقبالاً شديداً.

تأتي الاختلافات الأساسية بين هذين العالمين النفسيَّتَيْن إلينا بوضوح. بينما ظل “فرويد” متميَّزًا بتطلُّعه لاستكشاف شِتَّى أرجاء الذاكرة المكبوتة وجسر العواطف الضائعة، أعطى كارل يونغ والتحليل النفسي الذي عمل به المزيد من تركيزه لاستطلاع أعماق اللاوعي الجماعي وكشف ما وراءها من مفاهيم مترامية. وهكذا، عَبِقَتْ نظراتهما المتقاطعة في سماء العلاج النفسي الحديث، لِتُمَثِّلَ الأساسَ الأساسِيَّ لتناغم العقول الفكرية بنمط مُلهم للطرق العلمية الأخرى، وإلى الأمام تتجه الخطوات، لنظرية “ليونغ” المعزَّزة، التي أضحت مرجِعًا عظيمًا في العلاج النفسي الحديث ومصدرَ إلهام للمدارس الفكرية وإيحاءً فكرياً لا يضاهى.

مؤشر نوع مايرز بريجز

مؤشر نوع مايرز بريجز
مؤشر نوع مايرز بريجز

يعد مؤشر نوع مايرز بريجز (MBTI) أحد أكثر التقييمات النفسية استخدامًا في العالم. كانت MBTI قد تم تطويرها لاحقاً من خلال العالمة إيزابيل بريجز مايرز، وأيضاً من خلال والدتها العالمة  والتي تدعى كاثرين بريجز ، واعتمد MBTI طبقاً لما قرره الدكتور والعالم النفسي كارل يونغ والتحليل النفسي الذي قام به لتأسيس نظرياته لاحقاً.

تتمحور نظريات كارل يونغ والتحليل النفسي الذي عمله حول إيمانه بأن لدى الناس أربع وظائف نفسية رئيسية: التفكير ، والشعور ، والحدس ، والإحساس. اقترح جونغ أن كل فرد لديه تفضيل مميز لوظيفة واحدة على الثلاثة الأخرى. بناءً على ذلك ، يسعى مؤشر نوع مايرز بريجز إلى تحديد أنواع الشخصية الفريدة للشخص من خلال سلسلة من الأسئلة حول تفضيلاتهم ومواقفهم.

يعين التقييم كل شخص بمجموعة من أربعة أحرف تتوافق مع نوع شخصيته: E (الانبساط) ، I (الانطوائية) ، S (الاستشعار) ، N (الحدس) ، T (التفكير) ، F (الشعور) ، J ( الحكم) ، و P (الإدراك). تم تنظيم الرسائل في أربع فئات: الانبساطية / الانطوائية ، والاستشعار / الحدس ، والتفكير / الشعور ، والحكم / الإدراك.

غالبًا ما يتم استخدام MBTI في عالم الشركات لكارل يونغ والتحليل النفسي مساعدة في التوظيف وبناء الفريق والأنشطة الأخرى. يمكن استخدامه أيضًا لاكتساب نظرة ثاقبة للمسارات المهنية المحتملة للفرد وتوفير فهم أفضل لأنواع العلاقات التي قد تربطهم بالآخرين.

تم انتقاد MBTI بسبب افتقارها إلى الأدلة التجريبية وإفراطها في تبسيط العمليات النفسية المعقدة. ومع ذلك ، على الرغم من قيودها ، فهي لا تزال واحدة من أكثر التقييمات شيوعًا المستخدمة اليوم.

الحياة اللاحقة والموت – كارل يونغ

كار يونج في أواخر حياته

حياة ومسيرة كارل يونغ والتحليل النفسي الذي قام به ذلك العالم البارز والمفكر الراقي، امتزجتا بمنحى معترض من المنعطفات الشيقة المثيرة للاهتمام، في فترة أتمت خاتمتها.

بعد تمرد المد الدموي العاصف للحرب العالمية الثانية، بقى يونغ ملتزمًا بشكل لا يلام به، ملهمًا بقدرته في خطابه العلاجي وكتابته الشافية التي امتدت برحابة ذهنية وثقافية شاسعة. لم يعتزل كارل يونغ والتحليل النفسي الخاص به في سبر أغوار مواضيع جديدة، تنزع نمط التقاليد المفاهيمية، تلك الروحانيات العميقة والكيمياء الرقيقة وكذا الأديان الشرقية.

لا يقتصر دوام تألق كارل يونغ والتحليل النفسي الذي برز به بسبب من طريقته المبتكرة على نزاع مفرد في ظلال مسيرته ومخترعاته العلمية والإبداعية، فقد تطلب الأمر التواصل الوثيق بينه وبين زملائه المحيطين به، ومع تلامذته المتحمسين، فضلا عن العقلاء والعلماء الآخرين في المجال النفسي. التقى يونغ بثناء وإعجاب طويل الأمد واسع النطاق سواء من قبل طلبته أو زملائه في العلم، اندفاعا لاستئناسه أسرار النفس البشرية، مقدما وسائل العلاج اللازمة للمحتاجين.

توفي العبقري كارل يونغ، ذلك الروح التائهة في أبعاد الظلام، الذي أسقطته المناهج الزمنية عن برج بحثه، في عامٍ يكاد يُعين عقله على الاستيعاب. هكذا يفنى ولن يعود، وبقاياه ترن بألمٍ غامر وتفجع مخنوق.

تترعرع إرثه الخالد، ينثني قدره ويتهادى في المعهد الذي يحمل اسمه في زيورخ ، في سويسرا بقلبها الذي أسى لفقدانه. يعيش المعهد الذي صُرف في خدمة البحوث والتثقيف الأكاديمي للمشتغلين بهذا الحقل الغامض للعلاج النفسي، الذي جسده واستحق به الدكتور الصاعد كارل يونغ وجماعته المؤلفة من الباحثين. في أعماقه يفخر ويردد نزف العطاء، بنيان آخر عزف الحياة والمواضيع المتشعبة.

بات أثر كارل يونغ والتحليل النفسي، كقنديل مضاء، يُرى في ميادين علم النفس، وصدى حضوره يكتنف خلجات الماجدين وأعمالهم. إلى الآن يعتلي مدى الزمن مؤشر نوع مايرز بريجز، تلك العضة الأدواتية الثمينة، ليفهم بمهابة طبائعيات الشخصيات، وليصلح منفذ الحوار البشري. فرمى قيتارهُ يورث رقصات تلذذ الأخصّاء والباحثين ذاتهم، بشغف التنوير والانتشال، جرّاء عطاءاته في وعاء علم النفس، سيظل اسمهُ الأبي يختال في مرابع المستقبل، يبقى طويلاً محفوراً في ألواح المجد وسجلات الباحثين القادمين، ليترك خلفه لمساتٍ متأصلة في ذاكرة الزمن البعيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات رائجة

النشرة البريدية

احصل على اخر الاخبار من خلال الإشتراك بالقائمة البريدية

ذات الصلة

المقالات ذات الصلة

شخصية ESFJ القنصل

7 نقاط لفهم شخصية ESFJ القنصل

مقدمة حسب المصدر المعتمد، وهو “مؤشر مايرز بريغز لنمط الشخصية”، يُعتبر القنصل شخصية وديّة ومُرحَّبة وحنونة. يهتم برفاهية الآخرين ويسعى جاهدًا للمساعدة والرعاية. يتمتع بمهارات

شخصية البطل ENFJ

6 نقاط للتعامل مع شخصية البطل ENFJ

مقدمة إن شخصية البطل ENFJ هي واحدة من الأنماط الشخصية المميزة في نظام تحليل الشخصية مايرز بريغز (MBTI). تتميز هذه الشخصية بالعديد من الصفات الإيجابية

شخصية ESFP المسلي

8 نقاط للتعرف على شخصية ESFP المسلي

مقدمة تعتبر شخصية ESFP المسلي واحدًا من الأنماط الشخصية المدهشة والممتعة التي تتسم بالحيوية والعاطفة. يتميز أصحاب هذا النمط بروحهم الحرة والمرحة، وقدرتهم على إحياء

شخصية INFJ المحامي

7 نقاط لمعرفة شخصية INFJ المحامي

مقدمة بصفتهم المحامين، فإن شخصية INFJ المحامي يتجاوزون السطح ويتعمقون في عوالم الآخرين، حيث يفهمون العواطف والأفكار الكامنة وراء تصرفاتهم. إنهم يتمتعون بقدرة فائقة على